آخر الأخبار

القضية الصحراوية… آخر معارك التحرر في القارة الإفريقية

مهدي الباز

يُعدّ مشروع “الحكم الذاتي” الذي يُروَّج له في قضية الصحراء الغربية، في جوهره، مشروعًا غربيًا يرمي إلى إدخال المنطقة في حالةٍ من الفوضى والانكشاف الأمني غير المسبوق. فالقرار، كما يُطرح اليوم، ليس مجرد حلٍّ سياسي كما يراه من يفتقرون إلى بعد النظر أو لا يؤمنون بحق الشعوب في تقرير مصيرها، بل هو قنبلة موقوتة على مستوى الأمن الإقليمي، ستتجاوز تداعياتها حدود المنطقة لتصل إلى العواصم ذاتها التي تؤيد هذا الطرح دون إدراكٍ لخطورة نتائجه الاستراتيجية.

إن ما يُسمّى “الحكم الذاتي” ليس مبادرةً واقعية كما يُقدَّم، بل هو محاولة لتأسيس نمطٍ جديد من العلاقات الدولية يقوم على منطق الهيمنة بدل الشرعية، وعلى منطق القوة بدل القانون، وهو ما يُنذر بتحوّل خطير نحو ما يمكن تسميته بـ”نمط الغابة” في إدارة التفاعلات بين الدول.
فهذا الطرح، في حقيقته، يتجاهل كل الأسس الأخلاقية والقانونية التي تضبط العلاقات الدولية، ويمثل تهديدًا مباشرًا لطبيعة النظام الدولي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي بُني على مبادئ احترام السيادة وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

إن ملف الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في القارة الإفريقية، ما زال يحظى باهتمامٍ واسع من قبل العديد من الدول، لما يحمله من رمزيةٍ تاريخية وأهميةٍ استراتيجية في مدركاتها الجيوسياسية. فالصحراء الغربية، من حيث موقعها الجيوبوليتيكي، تمثل الواجهة الأطلسية للقارة الإفريقية، والسيطرة عليها تعني السيطرة على أحد أهم منافذ القارة نحو العالم. ولهذا السبب، فإن تحرير هذه المستعمرة الإفريقية لا يعني فقط انتصار شعبٍ على استعمارٍ تقليدي، بل يمثل لحظة تحررٍ شاملٍ للقارة من كل أشكال الهيمنة والوصاية، وفي مقدمتها الاستعمار الوظيفي الذي يمارسه النظام المغربي منذ نصف قرن بدعمٍ من قوى غربية تسعى للحفاظ على نفوذها في القارة.

إن ما يجري اليوم ليس مجرد نزاعٍ حول أرضٍ أو سيادةٍ سياسية، بل هو معركة من أجل هوية القارة الإفريقية واستقلال قرارها. فالقضية الصحراوية باتت تختصر، في جوهرها، الصراع بين منطق التحرر والاستقلال من جهة، ومنطق التبعية وإعادة إنتاج الاستعمار بصيغٍ جديدة من جهة أخرى.
ومن هنا، فإن رفض مشروع الحكم الذاتي لا ينبع فقط من الدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، بل من إدراكٍ عميق بأن هذا المشروع يُهدّد مستقبل القارة الإفريقية برمتها، ويقوّض أسس النظام الدولي القائم على العدالة والشرعية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى