الخبير الأمني أحمد ميزاب لـشرشال نيوز: الذكاء الاصطناعي يشكل تحديًا استراتيجيًا للأمن القومي
مهدي الباز

تشير العديد من الدراسات العلمية المتخصصة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى أن العالم مقبل خلال السنوات القليلة القادمة على طفرة نوعية غير مسبوقة في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بمختلف المجالات، إلى درجة أن تأثير هذه الثورة التقنية قد يفوق أثر الثورة الصناعية بحلول عام 2027.
وحسبما أفادت تلك الدراسات، فإن الانتشار المتسارع وغير المنضبط لتقنيات الذكاء الاصطناعي قد يقود إلى تطور أساليب التهكير والبرمجة الخبيثة، وظهور أسلحة رقمية وبيولوجية جديدة، فضلًا عن اضطرابات سياسية وأمنية قد تطال بنية النظام الدولي برمّته.
وفي ظل هذه التحولات المتسارعة، أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم أحد أهم الأدوات المؤثرة في مختلف جوانب الحياة، خاصة في ميدان الأمن القومي، حيث تتزايد الحاجة إلى إدراك أبعاده وتداعياته الاستراتيجية على استقرار الدول ومستقبلها.
وللخوض في هذا الموضوع الحساس، أجرت “شرشال نيوز”حوارًا خاصًا مع الخبير الأمني أحمد ميزاب، المتخصص في قضايا الأمن القومي والتحولات الجيوسياسية، الذي قدّم قراءة معمقة حول انعكاسات الذكاء الاصطناعي على منظومة الأمن القومي، كما تطرق إلى السبل الكفيلة بتحصين الجزائر من المخاطر والتهديدات الناشئة عن هذا المجال الحيوي.
سؤال 1: بدايةً، كيف تقيّمون تطور الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة؟
أحمد ميزاب: شهد الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة تحولًا جوهريًا، إذ انتقل من مرحلة البحث والتجريب إلى مرحلة الاستخدام العملي في اتخاذ القرارات العملياتية داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية. أصبحت قدراته في المعالجة والتنبؤ عنصرًا محوريًا في تطوير أنظمة الاستخبارات ورصد التهديدات وتوجيه العمليات الميدانية بدقة وسرعة غير مسبوقة.
سؤال 2: ما مدى تأثيره على البيئة الأمنية العالمية، وهل يمكن أن يشكّل تهديدًا مباشرًا لاستقرار الدول؟
أحمد ميزاب: أدّى هذا التطور إلى بروز أخطار جديدة تمسّ الأمن العالمي، أبرزها تصاعد الهجمات السيبرانية المعتمدة على الخوارزميات الذكية، وانتشار الأسلحة الرقمية، وتطوّر أساليب التضليل المعلوماتي التي تستغل قدرات الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى المزيّف. أصبحت البيئة الأمنية العالمية أكثر تعقيدًا وتغيرًا، حيث تتداخل فيها فرص التكنولوجيا مع مخاطرها في معادلة دقيقة تتطلب جاهزية مستمرة وقدرة عالية على التكيف.
سؤال 3: ما أبرز المخاطر التي قد يشكلها الذكاء الاصطناعي على الأمن القومي للدول؟
أحمد ميزاب: يمثل الذكاء الاصطناعي مصدر تهديد متصاعد للأمن القومي بسبب طبيعته التقنية المعقدة وقدرته على الأتمتة والتعلّم الذاتي.
فقد أدى انتشاره إلى تسريع وتيرة الهجمات السيبرانية الآلية التي تستهدف البنى التحتية الحساسة مثل شبكات الطاقة والاتصالات والمصارف، ما يجعل اكتشافها والتصدي لها أكثر صعوبة.
كما ساهم في أتمتة عمليات التجسس وجمع البيانات على نطاق واسع، وهو ما يرفع من مستوى المخاطر المرتبطة بانتهاك الخصوصية واختراق الأنظمة الحكومية.
إضافة إلى ذلك، ظهرت أدوات تضليل متقدمة قادرة على إنتاج محتوى مزيف عالي الدقة، يهدد الثقة العامة ويقوض استقرار المؤسسات السياسية والأمنية.
وتبرز خطورة التقنية أيضًا في طبيعتها المزدوجة، إذ يمكن استغلالها في استنساخ أسلحة رقمية أو بيولوجية في حال تم نقلها أو استخدامها دون ضوابط واضحة.
ومع توسع استخدام النماذج المفتوحة المعتمدة على بيانات ضخمة، تواجه الدول خطر فقدان تفوقها المعلوماتي لصالح جهات مجهولة قادرة على استغلال هذه القدرات لأهداف غير مشروعة.
سؤال 4: كيف يمكن للدول النامية، ومنها الجزائر، بناء قدراتها الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي لضمان أمنها القومي؟
بناء القدرات الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة استراتيجية للدول النامية من أجل حماية أمنها القومي وضمان استقلال قرارها التكنولوجي.
الخطوة الأولى تتمثل في وضع استراتيجية وطنية واضحة ومختصرة تحدد الأهداف والأولويات وفق خصوصيات كل دولة، مع ربطها بخطة تنفيذية قابلة للقياس.
ثم يأتي دور إنشاء مركز وطني لأمن الذكاء الاصطناعي يجمع الكفاءات المدنية والعسكرية، ويعمل على تطوير البحوث، ومراقبة المخاطر، وتأمين التطبيقات الوطنية.
يتطلب ذلك أيضًا بناء بنية بيانات وطنية موثوقة تقوم على معايير دقيقة للجودة والحوكمة، باعتبار البيانات المورد الأساسي لتدريب الأنظمة الذكية.
كما يجب الاستثمار في تكوين جيل من الشباب المتخصصين عبر برامج تدريب مكثفة داخل الجامعات ومراكز البحث لضمان امتلاك المهارة التقنية محليًا بدل استيرادها.
ولتشجيع الابتكار الداخلي، ينبغي دعم الشركات الناشئة المحلية لتطوير حلول تكنولوجية تلبي احتياجات الدولة في مجالات الأمن، الصحة، والتعليم.
إضافة إلى ذلك، يعد إنشاء مختبرات اختبار وطنية للتقنيات الجديدة خطوة أساسية لتقييم المخاطر ووضع فرق رد فعل سريع للتعامل مع التهديدات الرقمية المحتملة.
وفي الإطار الخارجي، تحتاج الدول النامية إلى إقامة شراكات تقنية متوازنة مع دول ومنظمات تحترم سيادتها وخصوصية بياناتها.
وأخيرًا، يجب سن قوانين واضحة تنظم الاستخدامين المدني والعسكري للذكاء الاصطناعي، وتمنع نقل التقنيات الحساسة أو البيانات الاستراتيجية دون ترخيص رسمي.
سؤال 5: في ظل هذا الواقع، كيف يمكن تحقيق التوازن بين الابتكار التكنولوجي ومتطلبات الأمن القومي؟
أحمد ميزاب:تحقيق التوازن بين الابتكار التكنولوجي ومتطلبات الأمن يمثل تحديًا جوهريًا في عصر الذكاء الاصطناعي، إذ يتطلب الجمع بين تشجيع التطوير وضمان الحماية من المخاطر التقنية.
لذلك، يجب أولًا فصل قواعد استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحساسة كالدفاع والمالية والطاقة، لضمان ضبط الصلاحيات ومنع إساءة الاستخدام.
كما ينبغي فرض تقييم أمني شامل قبل إطلاق أي نظام ذكي، يشمل تحليل الأثر والمخاطر المحتملة على الأمن الوطني والمؤسسات الحيوية.
ولتعزيز الثقة، يجب تبني منهجية الشفافية المسؤولة التي تفرض على مطوري الأنظمة توضيح منطق اتخاذ القرار الآلي والبيانات التي يعتمدون عليها.
في المقابل، يمكن دعم الابتكار من خلال برامج تمويل موجهة للبحث التطبيقي في مجالات الأمن السيبراني والوقاية الرقمية، بما يضمن تطوير حلول محلية تراعي الخصوصية الوطنية.
كما ينبغي تطوير سياسات أمنية تعتمد على كشف التلاعب والنمذجة المضادة لاختبار متانة الأنظمة الذكية في مواجهة الهجمات.
