آخر الأخبار

الخبير أحمد ميزاب حول “مسار وهران”: توطين الأمن الجيوسياسي في إفريقيا يحتاج إلى تنسيق السياسات الإقليمية لمواجهة التهديدات المشتركة

مهدي الباز

احتضنت الجزائر الدورة الـ12 للندوة رفيعة المستوى حول السلم والأمن في إفريقيا، وهي محطّة جدّ مهمة عرفت بـ”مسار وهران”، أسّست لفضاء دبلوماسي استراتيجي يعكس التزام الجزائر المتجدّد بقضايا السلم والاستقرار في القارة. وقد جاءت هذه الدورة في ظرف دولي وإقليمي شديد التعقيد، يتّسم بتصاعد الأزمات الأمنية، وتزايد التهديدات العابرة للحدود، وتحوّلات سياسية عميقة في عدد من الدول الإفريقية.

ولفهم دلالات هذا الحدث وأبعاده الجيوسياسية، كان لـ”شرشال نيوز” هذا الحوار الخاص مع الخبير الأمني أحمد ميزاب، الذي قدّم قراءة معمّقة حول أهمية الندوة، مفهوم توطين الأمن، التحوّلات السيادية في إفريقيا، والتحدّيات التي تواجه القارة في بناء منظومة أمنية مستقلة.

شرشال نيوز: أولا دكتور أحمد ميزاب، جاءت هذه الندوة في سياق دولي وإقليمي مضطرب، ما أهمية هذا الحدث في مثل هذا التوقيت؟
الدكتور أحمد ميزاب: هذه الندوة تأتي في سياق دولي وإقليمي مضطرب، حيث تواجه القارة الإفريقية تحديات متعددة: من صراعات داخلية، أزمات أمنية، إلى محاولات خارجية للتأثير على السيادة الوطنية.

انعقاد هذا الحدث في الجزائر يحمل دلالات قوية، فهو ليس مجرد منصّة نقاش، بل فرصة لتأكيد دور الجزائر كفاعل رئيسي في قضايا السلم والأمن الإفريقي، ولإعادة توحيد الرؤية بين الدول الإفريقية حول أولويات الأمن والاستقرار. كما أنه يشكل مساحة لتبادل الخبرات والتجارب حول إدارة الأزمات وبلورة آليات تعاون فعّالة بين الدول.

شرشال نيوز: يكثر الحديث اليوم عن توطين الأمن الجيوسياسي في إفريقيا، كيف تشرحون هذا المفهوم؟ وما أهميته بالنسبة لدول القارة؟
د. أحمد ميزاب: توطين الأمن يعني قدرة الدول الإفريقية على إدارة ملفاتها الأمنية بمواردها واستراتيجياتها الخاصة، دون اعتماد كامل على تدخلات خارجية.

هذا يشمل بناء قدرات عسكرية، استخباراتية، وتقنية مستقلة، وتنسيق السياسات الإقليمية لمواجهة التهديدات المشتركة.
أهميته تكمن في أنّه يعزّز السيادة الوطنية، يقلّل الاعتماد على أطراف خارجية، ويتيح للقارة السيطرة على ملفاتها الأمنية بفاعلية، بما يخدم التنمية المستدامة والاستقرار السياسي.

شرشال نيوز: ظهرت مؤخرًا موجة جديدة من الخطاب السيادي في إفريقيا. هل يعبر هذا الخطاب عن إرادة سياسية حقيقية، أم أنه مجرد ردّ فعل ظرفي؟

د. أحمد ميزاب: الخطاب السيادي يعكس رغبة حقيقية لدى عدد متزايد من الدول الإفريقية لتعزيز استقلال القرار السياسي والاقتصادي، لكنّه في بعض الحالات يكون أيضًا ردّ فعل ظرفي على الضغوط الخارجية.

التحدي هو تحويل هذا الخطاب من مجرد شعارات إلى سياسات عملية، تترجم إلى قدرة فعلية على حماية الحدود، الموارد، والمؤسسات، مع الحفاظ على قدرة التعاون الإقليمي دون المساس بالاستقلال الوطني لكل دولة.

شرشال نيوز: برأيكم، ما أبرز التحديات التي تعيق قدرة الدول الإفريقية على بناء منظومة أمنية وطنية أو إقليمية مستقلة؟

د.أحمد ميزاب: هناك عدة عوامل تعيق هذا الهدف، منها:
1. تفاوت القدرات العسكرية والاستخباراتية بين الدول.
2. أزمات سياسية داخلية تُضعف التنسيق الإقليمي.
3. تدخلات خارجية مباشرة أو غير مباشرة تُقوّض القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة.
4. محدودية الموارد المالية والتقنية لبناء أنظمة مراقبة وتحليل معلومات متطورة.
5. التغلب على هذه التحديات يتطلب إرادة سياسية حقيقية، تنسيقًا فعالًا بين الدول، واستثمارًا مستمرًا في القدرات الوطنية والإقليمية.

شرشال نيوز: وفي ظلّ هذه الظروف، هل أصبح تبني عقيدة أمنية إفريقية مشتركة أمرًا حتميًا؟ وهل توجد الإرادة السياسية لتحقيق ذلك؟

د.أحمد ميزاب: وجود عقيدة أمنية مشتركة ليس أمرًا نظريًا، بل ضرورة حتمية للتعامل مع التهديدات المعقدة العابرة للحدود، سواء كانت إرهابية، تهريبًا مسلحًا، أو تدخلات خارجية.

أهمية هذه العقيدة تكمن في وضع إطار مشترك لتبادل المعلومات، التنسيق العملياتي، وتوحيد السياسات الوقائية.
أما حول الإرادة السياسية، فهي موجودة على مستوى الخطاب والرغبة في التعاون، لكن التحدي يكمن في تحويل هذه الإرادة إلى إجراءات ملموسة، وتجاوز الاختلافات الداخلية والقدرات غير المتكافئة بين الدول.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى