أحمد عطاف يؤكد أن مسار وهران عزز الصوت الإفريقي الموحد في مجلس الأمن الأممي
شرف الدين عبد النور

أكد وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية أحمد عطاف، اليوم، خلال انطلاق أشغال الدورة الثانية عشر للندوة رفيعة المستوى حول السلم والأمن في إفريقيا، أنّ مسار وهران أصبح ركيزة أساسية في توحيد الموقف الإفريقي داخل مجلس الأمن الأممي، وترسيخ حضوره كصوت موحد وفاعل في القضايا المرتبطة بالسلم والأمن الدوليين.
وشدّد الوزير في كلمته الافتتاحية على العناية الكبيرة التي يوليها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لهذا المسار، ودعمه المستمر لضمان استمراريته وتعزيز أثره داخل المنظومة متعددة الأطراف. وأوضح أنّ العودة إلى الجزائر العاصمة بعد مرور اثني عشر عاماً على إطلاق هذا المسار تمثل محطة للتقييم والوقوف على حجم التقدم المحقق في تعزيز الموقف الإفريقي المشترك داخل الأمم المتحدة.
وأبرز أحمد عطاف أنّ مسار وهران نجح في تحويل الدول الإفريقية الثلاث بالمجلس إلى كتلة واحدة ذات صوت موحد ومواقف راسخة، بما مكّن إفريقيا من الظهور كطرف متماسك داخل مجلس الأمن، في سابقة لم تحققها أي قارة من قبل. وأضاف أن هذه المكاسب ما كانت لتتحقق لولا التزام الدول الإفريقية وتشبثها بالأهداف التي تأسس عليها المسار منذ إطلاقه.
وأشار الوزير إلى الدور الفاعل الذي أدته الجزائر، سواء باعتبارها البلد المضيف أو بصفتها عضواً في مجلس الأمن ومجلس السلم والأمن الإفريقي، مؤكداً حرصها على الدفاع عن المواقف الإفريقية الجماعية والعمل بتوجيهات الاتحاد الإفريقي في ملفات السلم والأمن.
وتطرّق أحمد عطاف إلى التحديات المتزايدة التي تواجه القارة في ظل السياق الدولي المضطرب، من تراجع الاهتمام العالمي بقضاياها إلى استمرار الأزمات في السودان وليبيا والساحل والصحراء وغيرها، داعياً إلى تعزيز الدبلوماسية الإفريقية وتفعيل حلول من صنع القارة لمشكلاتها.
وختم الوزير بالتأكيد على أن الطبعة الحالية من مسار وهران تمثل مناسبة لتجديد الالتزام بإعلاء الصوت الإفريقي الموحد، وصياغة حلول ذات مرجعية إفريقية، والمرافعة عن أولويات القارة داخل مجلس الأمن وفي جميع فضاءات العمل الدولي.
النص الكامل لكلمة وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية أحمد عطاف خلال انطلاق أشغال الدورة الـ12 للندوة رفيعة المستوى حول السلم والأمن في إفريقيا
“بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين
معالي السيد محمود علي يوسف، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي،
معالي السيد Kacou Léon Adom، وزير خارجية جمهورية كوت ديفوار، ورئيس مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي،
أصحاب المعالي الوزراء ورؤساء الوفود المشاركة،
سعادة السيد Bankole Adeoye، مفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن،
سعادة السيد Jean-Pierre Lacroix، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة المكلف بعمليات حفظ السلم،
السيدات والسادة كبار المسؤولين بالاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة،
السيدات والسادة ممثلو الدول الشريكة في مسار وهران،
السيدات الفضليات، والسادة الأفاضل، كُلٌّ باسمه ومقامه،
يسعدني أن أرحب بكم جميعاً في هذه الطبعة الجديدة من مسار وهران، ويشرفني أن أنقل إليكم تحيات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الذي يبارك هذا المسار، ويوليه بالغ العناية والرعاية، ويحرص أيما حرص على توفير سُبُلِ دَيْمُومَتِهِ وتَقويتِه.
نلتئمُ مجدداً على أرض الجزائر وبعاصمتِها التي احتضنت ميلاد هذا المسار في طبعته الأولى، تلكم الطبعة التي أَمَاطَتِ اللثامَ عن رؤيةٍ استراتيجية في توحيد الصوت الإفريقي وتعزيز تأثيرِه وصدَاه في مجلس الأمن الأممي، بصفته أبرزَ وأهمَّ محفلٍ للعمل الدولي متعدد الأطراف في مجال السلم والأمن الدوليين.
بعد اثني عشرة عاماً، نعود معاً إلى نقطة المنبع، حيث انطلق مسار وهران وخطى خُطْوَتَهُ الأولى، للوقوف على ما تم إحرازه من تقدمٍ لافت على درب تجسيد هذه الرؤية الاستراتيجية وترجمتِها واقعاً ملموساً ومحسوساً في أُطُرِ الأمم المتحدة وفي قرارات مجلس الأمن التابع لها.
نعود إلى الجزائر العاصمة، لنقف معاً على ثلاثِ حقائقَ ساطعة تَبعثُ حقّاً على الفخر والاعتزاز:
نعتز ونفخر أولاً أن مسار وهران قد أضحى موعداً قارياً ثابتاً ومُرَسَّماً على أجندة منظمتنا القارية ومجلِسِها الموقر، مجلس السلم والأمن الإفريقي.
ونعتز ونفخر ثانياً أن الدول الإفريقية الثلاث بمجلس الأمن قد صارت تُشكل كتلةً واحدة وموحدة، كتلةٌ معروفةُ الإسم، وكتلةٌ راسخةُ الهوية، وكتلةٌ رصينةُ المواقف، وكتلةٌ يُحسبُ لها حسابُها ويؤخذُ بمواقِفِها وَرُءَاهَا.
ونعتز ونفخر ثالثاً أن إفريقيا قد بلغت مرتبةً لم تَبْلُغْهَا أَيُّ قارةٍ من قبلِها، وهي مرتبةُ تفويضِ أبنائها بمجلس الأمن الأممي للمرافعة عنها وعن أولوياتِها، لا بِأَلْسُنٍ وطنية منفردة ومتفرقة، بل بصوتٍ جامعٍ، واحدٍ ومُوَحَّدْ، صوتُ القارة الإفريقية برمتها .
إن هذه المكاسب الثلاث ما كانت لتتحقق لولا التزامُ جميع الدول الإفريقية والتفافُها حول المقاصدِ المرجوة من مسار وهران. والثناءُ، كل الثناء، لكافة دول قارتنا التي تعاقبت على شُغْلِ المقاعد الإفريقية الثلاث بمجلس الأمن منذ انطلاق هذا المسار في طبعته الأولى، ووصولاً إلى طبعتِنا هذه.
والجزائر تتشرف بأن كانت على الدوام طرفاً فاعلاً في هذا المسعى، بالأمس كبلدٍ مضيف لمسار وهران، واليوم وفضلاً عن صفة البلد المضيف، كدولةٍ عضو في مجلس الأمن الأممي وفي مجلس السلم والأمن الإفريقي.
ونحن نتأهب اليوم لاختتام عهدتنا بمجلس الأمن الأممي، فإننا نأمل أن نكون قد وُفِّقنا في الوفاء بالمسؤوليات الملقاة على عاتقنا تجاه قارتنا الإفريقية وتجاه أشقائنا الأفارقة. لقد سعينا، جنباً إلى جنب مع أشقائنا من جمهورية الصومال وجمهورية سيراليون، لتشكيل كتلة متجانسة بمجلس الأمن، كتلةٌ تُعَبِّرُ عن مواقفَ إفريقية لا مواقفَ وطنية، كلما تعلق الأمر بقضايا السلم والأمن في قارتنا.
وقد حرصنا في ذلك على أن تكون مواقفُنا مبنيةً على قرارات الاتحاد الإفريقي، وأن تكون مبادراتُنا مُوَافِقَةً لتوجيهاتِ مجلسِها المكلف بالسلم والأمن، وأن تكون تحركاتُنا مُنسجمةً تمام الانسجام مع العقيدةِ الإفريقية الراسخة في مجال تجفيف منابع التوتر والتأزم والصراع.
لكم منّا كلُّ التقدير والامتنان على الثقة الغالية التي وَضَعْتُمُوهَا فينا خلال العامَيْنِ الماضِيَيْنْ، ونتمنى من أعماق قلوبنا كُلَّ التوفيق والسداد لمن سيخلُفُنا بمجلس الأمن الأممي، جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية ليبيريا. نُجدد لهذين البلدين الشقيقين تهانِينَا الحارة على انتخابِهِما، ونَضَعُ بين أيديهِمَا ما رَاكَمَتْهُ الجزائر من تجربةٍ وخبرة خلال عهدتِها الحالية، لمواصلة إعلاءِ صوتِ إفريقيا بمجلس الأمن وسط جميع التعقيدات الدولية الراهنة وما تفرضه من تحديات جسام على قارتنا.
وأعتقد بكل صدق وإخلاص أنه ليس من باب المغالاة أو المبالغة الجزمُ أن الظرف الدولي الراهن ليس بالظرف العادي أو الاعتيادي. بل هو ظرفٌ شديدُ التأزم، وظرفٌ عميقُ الاضطراب، وظرفٌ بالغُ الدقة. ظرفٌ تَتَقَاذَفُهُ الاستقطاباتُ والانقساماتُ والصراعاتْ. وظرفٌ يُكَرِّسُ رغبةً جَامِحَةً في تقويض أثمن المكاسب التي حققتها الإنسانية منذ فجر تاريخها. ويتعلق الأمر هنا بثلاث مكاسب جوهرية:
القانونُ الدولي كحكمٍ فَصْلٍ بين الأمم،
وتعدديةُ الأطراف كمنهجٍ للتعاون في مواجهة التحديات المشتركة،
ومنظمةُ الأمم المتحدة كمنارةٍ للحق والعدل والقانون وكفضاءٍ جامعٍ للتلاقي والتواصلِ وتذويبِ الخلافات.
إن ظرفاً مثل هذا يفرض لا محالة تحدياتٍ إضافية على قارتنا الإفريقية، لاسيما ونحن نشهدُ اليوم تَلاَشِيَ واضمحلالَ الاهتمام الدولي بقضايا السلم والأمن في قارتنا، تلكم القضايا التي صارت تتراجعُ وتَنْحَسِرُ من على سُلَّمِ أولوياتِ المجتمع الدولي.
فالحربُ في السودان تُشارفُ عامَها الثالث مُخلفةً أخطرَ أزمةٍ إنسانية في العالم، دون أن يلوح في الأفق بصيصُ التسوية السياسية المنشودة لإنهاء مُعاناة الشعب السوداني الشقيق.
والأزمةُ في ليبيا، بعد انقضاءِ أربعةَ عَشَرَ (14) عاماً على نشوبها، صارت نِسْياً مَنْسِيّاً على الصعيدين القاري والدولي، وكأن الجميع استسلم لمنطقِ الفُرَقَاءِ الليبيين والدُّخَلاءِ الأجانب، كقدرٍ محتوم لا مَرَدَّ له.
وآخر مُستعمرة في قارتنا الإفريقية، تُسجل في عامنا هذا انقضاءَ اثني وستين (62) عاماً على الوعد الذي قطعه المجتمع الدولي تُجاهَهَا حين إدراج اسمِ الصحراء الغربية ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم المؤهلة لتصفية الاستعمار، وَعْدُ تمكينِ شعبِها من ممارسة حقه غير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير المصير، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وللعقيدة الأممية الراسخة في مجال تصفية الإستعمار.
والأوضاع في منطقة الساحل الصحراوي فاقت حدود التأزم على مختلف الجبهات والمستويات، الأمنية والسياسية والاقتصادية، دون أن يَبْرُزَ أَيُّ تحركٍ أو مبادرة، لا نحو معالجة ظاهرة التغييرات غير الدستورية للحكومات التي عادت وتجذرت كأمرٍ واقع، ولا نحو التكفل بآفة الإرهاب التي تفاقمت واستفحلت على نحوٍ غير مسبوق في هذا الفضاء الإفريقي.
وكذلك الأوضاع في بقية ربوع قارتنا، لاسيما في منطقة البحيرات الكبرى، وفي منطقة القرن الإفريقي، والتي تُثْبِتُ بدورها أنّه لا مفر من إعادة إنتاج ذات الأزمات، بل بِصِيَغٍ أكثرَ حدة وأشد خطورة، حين تغيبُ الحلول الدائمة والمستدامة، حلولٌ من تدبيرٍ إفريقي، وحلولٌ من صُنعٍ إفريقي، وحلولٌ من تنفيذٍ إفريقي بالمساهمة والمرافقة المطلوبة من المجموعة الدولية.
إن وضعاً كهذا يفرض علينا، من باب الموضوعية ومن منطق الضمير، أن نَرْفَعَ المِرآةَ إلى ذَوَاتِنَا قبل أن نُوجِّهَهَا إلى الآخرين، وأن نُسائِلَ أنفسَنَا قبل مساءلة غيرِنا.
فانكفاءُ الدور الدبلوماسي القاري صار وللأسف سِمَةً مُلاَزِمَةً للمشهد العام للسلم والأمن في إفريقيا.
ومحدوديةُ الاهتمام الإفريقي بمواطن التأزم والنزاع والصراع كان السبب الرئيسي وراء إضعافِ صَداهَا على أجندة العمل الدولي متعدد الأطراف.
وقِلَّةُ المبادرات الإفريقية المُوَجَّهةِ لرأب الصراعات والنزاعات والحروب فتحت المجال واسعاً أمام تهافت التدخلات الخارجية وتعاظُمِها كمّاً ونوعاً.
إفريقيا أحوجُ ما تكون اليوم إلى تعزيز دورها الدبلوماسي، وهي أحوجُ ما تكون أيضاً إلى بلورةِ وتفعيلِ حلولٍ إفريقية للمشاكل الإفريقية، وهي أحوجُ ما تكون إلى إعادةِ بعثِ نهجِها الدبلوماسي الذي أثبتَ نجاعَتَهُ عبر تاريخها القريب والبعيد:
نهجٌ قِوامُهُ الحضورُ البارز في مواطن التأزم والنزاع والصراع أينما كانت،
ونهجٌ أساسُه التواصلُ الهادفُ مع كافة الفُرَقَاءِ حيثما وُجدوا،
ونهجٌ مُنْطَلَقُهُ المبادرةُ الفعلية بطرح مقترحاتِ الوساطة التي تَسُدُّ الطريق وتُغلقُ المجالَ أمام عوامل التأزم والتعقيد.
هذا هو التحدي الذي يفرض نفسه اليوم، ومسؤوليةُ رفع هذا التحدي هي لاشك مسؤوليةٌ جماعية مشتركة بين كافة الدول الأعضاء والمجموعات الإقليمية المعنية، بالتعاون والتنسيق مع منظمتنا القارية الجامعة، الاتحاد الإفريقي.
ومجموعةُ الأعضاء الأفارقة بمجلس الأمن الأممي لن تكون إلا دعماً وسنداً وامتداداً لمثل هذا الجهد الإفريقي الخالص على الصعيد الدولي، وبالخصوص في مجلس الأمن الأممي.
مَنْبَعُ قوةِ إفريقيا يَكْمُنُ بداخلها. وليس هذا القول من قبيل التقليل من حتمية مواصلة العمل من أجل افتكاكِ المَكَانَةِ التي تليق بقارتنا في جميع مراكز صنع القرار الدولي، السياسي والأمني والاقتصادي، ولكن يُرادُ بهذا القول ما سَبَقَنَا إليه زعيمُنَا الإفريقي الراحل كوامي نكروما، حين أكد أن “القوى التي تُوحدنا كامنةٌ في أعماقِنا، وهي أرسخُ جوهراً من أي مؤثرات مفروضةٍ تُحاول عبثاً أن تُقِيمَ الحواجزَ بيننا”.
“The forces that unite us are intrinsic and greater than the superimposed influences that keep us apart.”
فلتكن طبعتنا هذه من مسار وهران مناسبةً لتجديد الالتزام:
تجديدُ الالتزام بمضاعفة الجهود من أجل صياغة حلولٍ إفريقية لتَطْبِيبِ الأوجاع الإفريقية،
وتجديدُ الالتزام بالمرافعة بصوتٍ واحد وموحد عن أولويات إفريقيا في مجلس الأمن الأممي وفي مختلف فضاءات العمل الدولي متعدد الأطراف،
وتجديدُ الالتزام بمواصلة التعبئة من أجل إنهاء تهميش إفريقيا في مختلف مواطن ومراكز صنع القرار الدولي.
شكراً على كرم الإصغاء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.”
